"نيويورك تايمز": الاقتصاد الأوكراني يتجاهل الحرب ويبدأ في الانتعاش

مدفوعاً بالإنفاق المحلي والتدفق المستمر للمساعدات

"نيويورك تايمز": الاقتصاد الأوكراني يتجاهل الحرب ويبدأ في الانتعاش

عندما اقتربت القوات الروسية من كييف في بداية عمليتها العسكرية العام الماضي، أغلق الموظفون في “زافيرتايلو” -وهو مخبز شهير في العاصمة الأوكرانية- متجرهم وبدؤوا في إعداد السلطات المجانية للجنود الذين يدافعون عن المدينة، تضاءلت الإمدادات مع احتدام القتال حول كييف، وانهارت الموارد المالية للمخبز مع استمرار المديرين في دفع رواتب الموظفين.

قالت مؤسسة المخبز، آنا زافيرتايلو: "توقفت الأعمال تماما، ولم تكن هناك إيرادات متوقعة لقد تطلب الأمر الكثير من العمل لإعادة تشغيل الأعمال ببطء.. لكنها آتت ثمارها".

وفي ربيع هذا العام، افتتح "زافيرتايلو" مخبزا ثانيا في كييف، مدفوعا بتزايد طلب العملاء حيث تكيفت الحياة في العاصمة تدريجيا مع ظروف الحرب، وقالت رئيسة العمليات في "زافيرتايلو"، فيكتوريا كولوميتس، "فُتحت لنا فرص جديدة".

وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، يعد توسع المخبز جزءا من انتعاش اقتصادي أوسع نطاقا وإن كان متواضعا في أوكرانيا، على الرغم من أن الناتج الاقتصادي لأوكرانيا لا يزال أصغر بكثير مما كان عليه قبل الحرب -تقلص الاقتصاد بمقدار الثلث بعد الغزو الروسي واسع النطاق العام الماضي- فإنه سينمو بنسبة تقدر بنحو 3.5% هذا العام، كما يتوقع البنك الدولي، ويعزى هذا التوسع إلى ارتفاع الإنفاق المحلي ويدعمه التدفق المستمر للمساعدات المالية الأجنبية.

ويقول اقتصاديون، إن الأمر سيستغرق سنوات عديدة حتى يعود الاقتصاد الأوكراني إلى مستويات ما قبل الحرب، ومن المحتم أن تكون التوقعات في وقت القتال العنيف غير مؤكدة.

هناك تحديات هائلة، بما في ذلك إعادة البناء المكلفة للمدن المدمرة في البلاد، والعجز الحكومي الذي سيستمر في التضخم مع استمرار الحرب، ونقص العمالة الناجم عن هجرة الأوكرانيين الفارين من الحرب وتعبئة المواطنين في سن العمل لخوضها.

ومع ذلك، يقول محللون ورجال أعمال محليون إن الشعور بالمرونة والاستقرار النسبي قد ترسخ بعد ما يقرب من 20 شهرا من الحرب، ما أدى إلى تحسين الثقة بين المستهلكين والمستثمرين.

قالت كبيرة الاقتصاديين في بنك الاستثمار دراغون كابيتال ومقره كييف، أولينا بيلان: "الاقتصاد الأوكراني يتكيف مع الحرب"، وأضافت أن الناس انتقلوا من "وضع الادخار" إلى وضع يشعرون فيه الآن "بمزيد من الاسترخاء ويبدؤون في إنفاق المزيد".

وقدر البنك الدولي في تقرير صدر مؤخرا أن الاستهلاك الخاص في أوكرانيا سينمو بنسبة 5% هذا العام، بعد انكماشه بأكثر من الربع العام الماضي.

وفي مدن مثل كييف ودنيبرو، البعيدة عن منطقة القتال لكنها لا تزال تحت تهديد الهجمات الجوية الروسية، يعود العملاء إلى المطاعم التي أعيد فتحها ويستأنفون التسوق.

قال مؤسس "إتنوديم"، التي تنتج "فيشيفانكاس"، القمصان الأوكرانية التقليدية المطرزة، أندريه شيروخا: "اليوم، يدرك معظم الأوكرانيين أن الحرب قد تطول، وهم بحاجة إلى مواصلة العيش في هذه الظروف الجديدة"، وأوضح إن المبيعات في متجره تضاعفت 3 مرات هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتفاع الوطنية.

وأضاف "شيروخا"، أن الأوكرانيين "يواصلون العمل وشراء الملابس وغيرها من المواد التي قد لا تعتبر ضرورية، ولكنها وسيلة للحفاظ على الشعور بالحياة الطبيعية".

وقالت أولجا كوستينكو، وهي مالكة مشاركة لبار فيرست بوينت إسبريسو في حي بوديل العصري في كييف، إن الناس بحاجة إلى روتين للتعامل مع الحرب، وأضافت أن العملاء عادوا إلى مقهاها لأنهم يبحثون عن مكان مألوف لقضاء بعض الوقت، كما افتتحت مقهى ثانيا هذا الربيع لتلبية الطلب المتزايد.

دفع الإنفاق -الأقوى من المتوقع- المؤسسات المالية إلى رفع توقعاتها الاقتصادية، وفي الأسبوع الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع إجمالي إنتاج البلاد بنسبة 2% هذا العام، وهو أقل تفاؤلا قليلا من توقعات البنك الدولي، لكنه يمثل زيادة كبيرة على التوقعات الأولية لانخفاض بنسبة 3%.

لا شك أن الاقتصاد الأوكراني ينمو من قاعدة منخفضة، بعد أن دمرت السنة الأولى من الحرب الأصول الاقتصادية الرئيسية للبلاد، تم تدمير مصانع الصلب "آزوفستال"، التي تمثل خمس إنتاج الصلب في أوكرانيا، في القتال من أجل ماريوبول العام الماضي.

يمكن أن تكون معدلات النمو أيضا مؤشرا ضعيفا على الصحة الاقتصادية للبلد في زمن الحرب، حيث غالبا ما يتم تضخيم الإنتاج بسبب الإنتاج العسكري، الذي تأمر به الحكومة، حيث خصصت الحكومة الأوكرانية الكثير من ميزانيتها لتغطية رواتب الجيش ودعم إنتاج الأسلحة.

لكن الاقتصاديين يقولون إن قدرة أوكرانيا على التكيف مع مختلف التحديات في زمن الحرب، مثل الحفاظ على تدفق الكهرباء على الرغم من حملة موسكو الشتوية ضد بنيتها التحتية للطاقة، ساعدت في وضع الاقتصاد على مسار الاستقرار.

تقول بيلان من "دراجون كابيتال": "لم يكن لدينا أي نقص في الكهرباء منذ منتصف فبراير.. كان هذا هو العامل الإيجابي الأول الذي دفع الإنتاج للارتفاع".

وفي علامة أخرى على المرونة، صدرت أوكرانيا أكثر من 110 آلاف ميجاوات ساعة من الكهرباء الشهر الماضي، وهو حجم قياسي لعام 2023، تم إنتاج معظمها في المحطات النووية في البلاد، على الرغم من أنها لا تزال جزءا صغيرا من صادرات الكهرباء في البلاد قبل أن تبدأ روسيا في ضرب منشآت الطاقة.

وأشارت نائبة مدير مركز الاستراتيجية الاقتصادية ومقره كييف، ماريا ريبكو، إلى أن فتح طرق تجارية جديدة للتحايل على جهود موسكو لإغلاق البحر الأسود يساعد أيضا على انتعاش الصادرات الزراعية، التي شكلت الجزء الأكبر من دخل أوكرانيا قبل الحرب.

ويقدر البنك الدولي، أن إجمالي صادرات أوكرانيا سيستمر في الانكماش هذا العام قبل أن ينمو بنسبة 15% العام المقبل و30% في عام 2025، وهو شريان حياة اقتصادي محتمل إذا استمرت الحرب.

وعلى غرار اقتصاد روسيا، يعاد تشكيل اقتصاد أوكرانيا على نحو متزايد حول الحرب، وسيخصص أكثر من نصف إنفاق الحكومة في العام المقبل، أي حوالي 46 مليار دولار، للدفاع.

ولكن مع قلة الإيرادات الضريبية لتمويل فورة الإنفاق هذه، سيصل عجز الميزانية الأوكرانية إلى 21% من إجمالي إنتاج البلاد العام المقبل، حسب ما قال رئيس الوزراء، دينيس شميهال، الأسبوع الماضي، مضيفا أن حكومته ستحتاج إلى 42 مليار دولار من المساعدات المالية لتغطية هذا النقص.

قد يكون من الصعب تأمين هذا المبلغ مع تضاؤل الدعم لأوكرانيا في الولايات المتحدة، أكبر داعم مالي لكييف، ومع تحول انتباه العالم بسبب الحرب بين إسرائيل وغزة،، قالت "ريبكو": "يبدو الوضع مقلقا حقا".

وتواجه الشركات الأوكرانية نقصا في العمالة حيث يتم تجنيد الرجال في الجيش، ونتيجة لنزوح اللاجئين بعد الغزو الروسي العام الماضي، لا يزال أكثر من 6 ملايين أوكراني -ما يقرب من 15% من سكان ما قبل الحرب- خارج البلاد، وما يقرب من ربعهم غير متأكدين مما إذا كانوا سيعودون بمجرد انتهاء الحرب، وفقا لمسح حديث أجرته الأمم المتحدة.

وفي مخبزها، قالت "زافيرتايلو"، إنها كانت تكافح من أجل توظيف المزيد من الموظفين، لكن أشهر الحرب علمتها كيفية تحويل المشاكل إلى فرص.

في العام الماضي، طلب المخبز من العملاء ضمان القهوة المجانية للجنود، وهي طريقة لدعم معركة أوكرانيا مع إحياء أعمالها، جمع البرنامج أكثر من 40 ألف دولار.

قالت "زافيرتايلو": "لقد توصلنا إلى العديد من الحلول التي ساعدتنا على البقاء واقفين على قدمينا، ما يوفر لنا إمكانية لمزيد من النمو".
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية